الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَالتَّحْبِيسُ وَهُوَ الْوَقْفُ جَائِزٌ فِي الْأُصُولِ مِنْ الدُّور وَالأَرْضِينَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ إنْ كَانَتْ فِيهَا , وَفِي الأَرْحَاءِ , وَفِي الْمَصَاحِفِ , وَالدَّفَاتِرِ. وَيَجُوزُ أَيْضًا فِي الْعَبِيدِ , وَالسِّلاَحِ , وَالْخَيْلِ , فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ فَقَطْ , لاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلاَ يَجُوزُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَصْلاً , وَلاَ فِي بِنَاءٍ دُونَ الْقَاعَةِ. وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى مَنْ أَحَبَّ , أَوْ عَلَى نَفْسِهِ , ثُمَّ عَلَى مَنْ شَاءَ وَخَالَفْنَا فِي هَذَا قَوْمٌ : فَطَائِفَةٌ أَبْطَلَتْ الْحَبْسَ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ , وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ , وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : لاَ حَبْسَ إِلاَّ فِي سِلاَحٍ , أَوْ كُرَاعٍ , رُوِيَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَعَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهم ، وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ الْحَبْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ , وَفِي الثِّيَابِ , وَالْعَبِيدِ , وَالْحَيَوَانِ , وَالدَّرَاهِمِ , وَالدَّنَانِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَأَتَى أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ كُلَّ مَنْ تَقَدَّمَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ فَقَالَ : الْحَبْسُ جَائِزٌ فِي الصِّحَّةِ , وَفِي الْمَرَضِ , إِلاَّ أَنَّ لِلْمُحْبِسِ إبْطَالُهُ مَتَى شَاءَ , وَبَيْعُهُ وَارْتِجَاعُهُ بِنَقْضِ الْحَبْسِ الَّذِي عَقَدَ فِيهِ , وَلاَ يَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا , وَهَذَا أَشْهَرُ أَقْوَالِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ , ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَنْهُ أَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ إبْطَالُهُ وَهَذَا هُوَ الأَشْهَرُ عَنْهُ أَمْ لاَ يَجُوزُ وَهَذَا قَوْلٌ يَكْفِي إيرَادُهُ مِنْ فَسَادِهِ ; لأََنَّهُ لَمْ تَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ , وَلاَ أَيَّدَهُ قِيَاسٌ , وَلاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ فَسَقَطَ جُمْلَةً. وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ : فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ : أَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْقَاسِمِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ حَبْسَ إِلاَّ فِي سِلاَحٍ أَوْ كُرَاعٍ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ ; لأََنَّهَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ ; وَلأََنَّ وَالِدَ الْقَاسِمِ لاَ يَحْفَظُ عَنْ أَبِيهِ كَلِمَةً , وَكَانَ لَهُ إذْ مَاتَ أَبُوهُ سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ وَلَدَهُ ، وَلاَ نَعْرِفُهَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلاً , وَلاَ عَنْ عَلِيٍّ , بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ ; لأََنَّ إيقَافَهُ يَنْبُعَ , وَغَيْرَهَا : أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ , وَالْكَذِبُ كَثِيرٌ , وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ. قال أبو محمد : فَيُقَالُ : نَعَمْ , وَإِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيقَافُ غَيْرِ الْكُرَاعِ , وَالسِّلاَحِ : وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ أَيْضًا , وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ , فَبَطَلَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ الْحَبْسَ جُمْلَةً : فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ الْوَاقِدِيِّ قَالَ : مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَقَدْ أَوْقَفَ وَحَبَسَ أَرْضًا , إِلاَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحَبْسَ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَخْبَاثٍ فَإِنَّهَا زَادَتْ مَا جَاءَتْ فِيهِ ضَعْفًا وَلَعَلَّهُ قَبْلَهُ كَانَ أَقْوَى. وَأَمَّا مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ : فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ قَاسُوا عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ مَا لاَ نَصَّ فِيهِ. قال أبو محمد : وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , فَكَيْفَ وَالنَّصُّ يُبْطِلُهُ ; لأََنَّ إيقَافَ الشَّيْءِ لِغَيْرِ مَالِكٍ مِنْ النَّاسِ , وَاشْتِرَاطُ الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُورَثَ , أَوْ يُبَاعَ , أَوْ يُوهَبَ : شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ إِلاَّ مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَوَازِهِ فَقَطْ , فَكَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَصَحَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ , الْبَاقِي أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ : إمَّا صَدَقَةٌ مُطْلَقَةٌ فِيمَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِهِ مِمَّا صَحَّ مِلْكُ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا شَرْطًا مُفْسِدًا. وَأَمَّا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فِيمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ فِيهِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ فِيمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ , أَيَجُوزُ أَمْ لاَ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ لَمْ يُجِزْهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ , وَكَمَنْ تَصَدَّقَ فِي وَصِيَّتِهِ عَلَى وَارِثٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَلاَ بِمُحَرَّمٍ : كَمَنْ تَصَدَّقَ بِخَمْرٍ , أَوْ خِنْزِيرٍ. وَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَائِزَةَ الْمُتَقَبَّلَةَ يَبْقَى أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَطْ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً لِتَعَرِّيه مِنْ الأَدِلَّةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد : احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْحَبْسَ جُمْلَةً : بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ قَالَ : قَالَ لِي شُرَيْحٌ : جَاءَ مُحَمَّدٌ بِإِطْلاَقِ الْحَبْسِ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ شُرَيْحًا وَسُئِلَ فِيمَنْ مَاتَ وَجَعَلَ دَارِهِ حَبْسًا فَقَالَ : لاَ حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. قال علي : هذا مُنْقَطِعٌ , بَلْ الصَّحِيحُ خِلاَفُهُ , وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِإِثْبَاتِ الْحَبْسِ نَصًّا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَيْفَ , وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْحَبْسُ , وَقَدْ جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْطَالِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ يُعْلَمُ بِيَقِينٍ ; لأََنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَعْرِفْ فِي جَاهِلِيَّتِهَا الْحَبْسَ الَّذِي اخْتَلَفَا فِيهِ , إنَّمَا هُوَ اسْمٌ شَرِيعِيٌّ , وَشَرْعٌ إسْلاَمِيٌّ : جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَ بِالصَّلاَةِ , وَالزَّكَاةِ , وَالصِّيَامِ , وَلَوْلاَهُ عليه الصلاة والسلام مَا عَرَفْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِعِ , وَلاَ غَيْرِهَا , فَبَطَلَ هَذَا الْكَلاَمُ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لاَ حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ " فَقَوْلٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ الْهِبَةِ , وَالصَّدَقَةِ فِي الْحَيَاةِ , وَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ , وَكُلُّ هَذِهِ مُسْقِطَةٌ لِفَرَائِضِ الْوَرَثَةِ عَمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ لَوَرِثُوهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَيَجِبُ بِهَذَا الْقَوْلِ إبْطَالُ كُلِّ هِبَةٍ , وَكُلِّ وَصِيَّةٍ ; لأََنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَوَارِيثِ. فَإِنْ قَالُوا : هَذِهِ شَرَائِعُ جَاءَ بِهَا النَّصُّ قلنا : وَالْحَبْسُ شَرِيعَةٌ جَاءَ بِهَا النَّصُّ , وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ. قال أبو محمد : هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ , وَابْنُ لَهِيعَةَ لاَ خَيْرَ فِيهِ , وَأَخُوهُ مِثْلُهُ وَبَيَانُ وَضْعِهِ : أَنَّ " سُورَةَ النِّسَاءِ " أَوْ بَعْضَهَا نَزَلَتْ بَعْدَ أُحُدٍ يَعْنِي آيَةَ الْمَوَارِيثِ وَحَبَسَ الصَّحَابَةُ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خَيْبَرَ وَبَعْدَ نُزُولِ الْمَوَارِيثِ فِي " سُورَةِ النِّسَاءِ ". وَهَذَا أَمْرٌ مُتَوَاتِرٌ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِاتِّصَالِ الْحَبْسِ بِعِلْمِهِ عليه الصلاة والسلام إلَى أَنْ مَاتَ. وَذَكَرُوا أَيْضًا : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , وَمُحَمَّدٍ , وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي هَذَا صَدَقَةٌ وَهُوَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , فَجَاءَ أَبَوَاهُ فَقَالاَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَانَ قِوَامُ عَيْشِنَا فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَاتَا فَوِرْثَهُمَا ابْنُهُمَا زَادَ بَعْضُهُمْ " مَوْقُوفَةٌ " وَهِيَ زِيَادَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ; لأََنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ قَطُّ. وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ قِوَامُ عَيْشِهِمْ , وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِوَامِ عَيْشِهِ , بَلْ هُوَ مَفْسُوخٌ إنْ فَعَلَهُ , فَهَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ وَمُوَافِقًا لِقَوْلِنَا , وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الصَّدَقَةَ بِمَا لاَ يَبْقَى لِلْمَرْءِ بَعْدَهُ غِنًى. وَالثَّالِثُ أَنَّ لَفْظَةَ " مَوْقُوفَةٌ " إنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ. وَمَوَّهُوا بِأَخْبَارٍ نَحْوِ هَذَا , لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ الْوَقْفِ , وَإِنَّمَا فِيهَا " صَدَقَةٌ " وَهَذَا لاَ نُنْكِرُهُ. وقال بعضهم : قَدْ كَانَ شُرَيْحٌ لاَ يَعْرِفُ الْحَبْسَ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَقْضِيَ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا. قال أبو محمد : لَوْ اسْتَحْيَا قَائِلُ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ , وَهَلَّا قَالُوا هَذَا فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ شُرَيْحًا , وَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي جَهْلِ شُرَيْحٍ سُنَّةً وَأَلْفَ سُنَّةً , وَاَللَّهِ لَقَدْ غَابَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ التَّطْبِيقِ , وَلَقَدْ غَابَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ , وَلَقَدْ غَابَ عَنْ عُمَرَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ سِنِينَ , وَإِجْلاَءُ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ عَامٍ مِنْ خِلاَفَتِهِ , وَبِمِثْلِ هَذَا لَوْ تُتُبِّعَ لَبَلَغَ أَزِيدَ مِنْ أَلْفِ سُنَّةٍ غَابَتْ عَمَّنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ شُرَيْحٍ. وَلَوْ لَمْ يُسْتَقْضَ إِلاَّ مَنْ لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ سُنَّةٌ , وَلاَ تَغِيبُ عَنْ ذِكْرِهِ سَاعَةً مِنْ دَهْرِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ : مَا اسْتَقْصَى أَحَدٌ , وَلاَ قَضَى ، وَلاَ أَفْتَى : أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ مَنْ جَهِلَ عُذِرَ وَمِنْ عَلِمَ غُبِطَ. وَقَالُوا : الصَّدَقَةُ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ مِنْ الْحَبْسِ يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ , فَذَلِكَ فِي الأَصْلِ أَوْلَى. قال علي : هذا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ هُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إيقَافِ الأَصْلِ وَحَبْسِهِ وَتَسْبِيلِ الثَّمَرَةِ , فَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنْهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ عَلَى غَيْرِهِ , وَالْقَوْمُ مَخَاذِيلُ. وَقَالُوا : لَمَّا كَانَتْ الأَحْبَاسُ تُخْرَجُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ : بَطَلَ ذَلِكَ , كَمَنْ قَالَ : أَخْرَجْتُ دَارِي عَنْ مِلْكِي. قال أبو محمد : وَهَذِهِ وَسَاوِسُ ; لأََنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ إخْرَاجًا إلَى غَيْرِ مَالِك , بَلْ إلَى أَجْلِ الْمَالِكِينَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَعِتْقِ الْعَبْدِ ، وَلاَ فَرْقَ. ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضُوا فَأَجَازُوا تَحْبِيسَ الْمَسْجِدِ , وَالْمَقْبَرَةِ , وَإِخْرَاجَهُمَا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ , وَأَجَازُوا الْحَبْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَشْهَرِ أَقْوَالِهِمْ , فَبَلَّحُوا عِنْدَ هَذِهِ فَقَالُوا : الْمَسْجِدُ إخْرَاجٌ إلَى الْمُصَلِّينَ فِيهِ. . فَقُلْنَا : كَذَبْتُمْ ; لأََنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ بِذَلِكَ , وَصَلاَتُهُمْ فِيهِ كَصَلاَتِهِمْ فِي طَرِيقِهِمْ فِي فَضَاءٍ مُتَمَلَّكٍ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا : إنَّمَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِي إلَى غَيْرِ مَالِكٍ ، وَلاَ فَرْقَ ; لأََنَّ هَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ الْحَبْسِ عِنْدَكُمْ فِي الْحَيَاةِ , فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَظِيرُهُ فِي الْمَوْتِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا : لَمَّا كَانَتْ الصَّدَقَاتُ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ حَتَّى تُحَازَ , وَكَانَ الْحَبْسُ لاَ مَالِكَ لَهُ : وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ. . فَقُلْنَا : هَذَا احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ , وَقَدْ أَبْطَلْنَا قَوْلَكُمْ : أَنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَصِحُّ حَتَّى تُقْبَضَ , وَبَيَّنَّا أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا فِيهِ , كَابْنِ مَسْعُودٍ , وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما , فَكَيْفَ وَالْحَبْسُ خَارِجٌ إلَى قَبْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ , الَّذِي هُوَ وَارِثُ الأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا وَكُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ. وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ لِلَّهِ تَعَالَى دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مُتَصَدَّقًا عَلَيْهِ , ثُمَّ أَمَرَهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَجْعَلَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الْمُخْزِيَةِ لَهُمْ : احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ الْهَدْيَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَقَلَّدَهَا , وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ , ثُمَّ صَرَفَهَا عَمَّا أَوْجَبَهَا لَهُ وَجَعَلَهَا لِلْإِحْصَارِ , وَلِذَلِكَ أَبْدَلَهَا عَامًا ثَانِيًا. قال أبو محمد : أَوَّلُ ذَلِكَ كَذِبُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ , وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ وَمَا اقْتَضَى ذَلِكَ قَطُّ إيجَابَهُ ; لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ التَّطَوُّعُ بِذَلِكَ وَاجِبًا , بَلْ أَبَاحَ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ الْمُقَلَّدَةِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لِوَجْهٍ مَا خَارِجَةً بِذَلِكَ عَنْ مَالِهِ بَاقِيَةً فِي مَالِهِ. ثُمَّ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ : إنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَبْدَلَهُ مِنْ قَابِلٍ. فَمَا صَحَّ هَذَا قَطُّ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُبَدِّلَ عليه الصلاة والسلام هَدْيًا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فِي وَاجِبٍ ثُمَّ أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَدْيِ تَطَوُّعٍ يُنْحَرُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الْإِحْصَارِ عَنْ أَصْحَابِهِ , وَعَنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِي حَبْسٍ. أَمَا يَسْتَحْيِ مِنْ هَذَا مِقْدَارَ عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثم نقول لَهُمْ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ثُمَّ يَفْسَخَهُ , وَقِسْتُمُوهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ , فَأَخْبِرُونَا : هَلْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ أَنْ يُوجِبَهُ فَيَبِيعَهُ هَكَذَا بِلاَ سَبَبٍ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ : لاَ , فَنَقُولُ لَهُمْ : فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ إذْ أَجَزْتُمْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِلاَ سَبَبٍ , وَظَهَرَ هَوَسُ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ الْبَارِدِ , وَيُقَالُ لَهُمْ : هَلَّا قَسَّمْتُمُوهُ عَلَى التَّدْبِيرِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ فِيهِ الرُّجُوعُ عِنْدَكُمْ , أَوْ هَلَّا قِسْتُمْ قَوْلَكُمْ فِي التَّدْبِيرِ عَلَى قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ , لَكِنْ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ إِلاَّ خِلاَفَ الْحَقِّ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذَا فَإِنَّمَا مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ لاَ يَرَى الْحَبْسَ جُمْلَةً وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَكُلُّ هَذَا خِلاَفٌ لَهُ ; لأََنَّهُ يُجِيزُ الْحَبْسَ , ثُمَّ يُجِيزُ نَقْضَهُ الْمُحْبَسَ , وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ , وَيُجِيزُ إمْضَاءَهُ وَهَذَا لاَ يُعْقَلُ , وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ شَرْطِهِ وَ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. قال أبو محمد : فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ : أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالاً أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُ بِهِ فَقَالَ : إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ : أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا ، وَلاَ تُورَثُ : فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى , وَالرِّقَابِ , وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَالضَّيْفِ , وَابْنِ السَّبِيلِ , لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ , أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ الْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهَا , وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا : مِنْ طَرِيقِ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَفِيهِ احْبِسْ الأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ. وَحَبَسَ عُثْمَانُ بِئْرَ رُومَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ ذَلِكَ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ , جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ , وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِالْمَدِينَةِ. وَكَذَلِكَ صَدَقَاتُهُ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ مَشْهُورَةٌ كَذَلِكَ. وَقَدْ تَصَدَّقَ عُمَرُ فِي خِلاَفَتِهِ بِثَمْغٍ , وَهِيَ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَانَ يَغُلُّ مِائَةَ وَسْقٍ بِوَادِي الْقُرَى كُلُّ ذَلِكَ حَبْسًا , وَقْفًا , لاَ يُبَاعُ ، وَلاَ يُشْتَرَى , أَسْنَدَهُ إلَى حَفْصَةَ , ثُمَّ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهِ. وَحَبَسَ عُثْمَانُ , وَطَلْحَةُ , وَالزُّبَيْرُ , وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : دُورَهُمْ عَلَى بَنِيهِمْ , وَضَيَاعًا مَوْقُوفَةً. وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ , وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةُ صَدَقَاتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ , لاَ يَجْهَلُهَا أَحَدٌ. وَأَوْقَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " الْوَهْطَ " عَلَى بَنِيهِ. اخْتَصَرْنَا الأَسَانِيدَ لأَشْتِهَارِ الأَمْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ الْبَصْرِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ. قال أبو محمد : الأَعْتَادُ جَمْعُ عَتِدٍ وَهُوَ الْفَرَسُ قَالَ الْقَائِلُ رَاحُوا بَصَائِرُهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ وَبَصِيرَتِي تَعْدُو بِهَا عَتِدٌ وَأَى وَالأَعْبُدُ جَمْعُ عَبْدٍ , وَكِلاَ اللَّفْظَيْنِ صَحِيحٌ , فَلاَ يَجُوزُ الأَقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مَالِكِ بْن أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الْكُرَاعُ : الْخَيْلُ فَقَطْ. وَالسِّلاَحُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ : السُّيُوفُ , وَالرِّمَاحُ , وَالْقِسِيُّ , وَالنَّبْلُ , وَالدُّرُوعُ , وَالْجَوَاشِنُ , وَمَا يُدَافَعُ بِهِ : كَالطَّبَرْزِينِ , وَالدَّبُّوسِ , وَالْخِنْجَرِ , وَالسَّيْفِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ , وَالدَّرَقِ , وَالتِّرَاسِ. ، وَلاَ يَقَعُ اسْمُ السِّلاَحِ عَلَى سَرْجٍ , وَلاَ لِجَامٍ , وَلاَ مِهْمَازٍ. وَكَانَ عليه السلام يَكْتُبُ إلَى الْوُلاَةِ وَالأَشْرَافِ إذَا أَسْلَمُوا بِكُتُبٍ فِيهَا السُّنَنُ وَالْقُرْآنُ بِلاَ شَكٍّ , فَتِلْكَ الصُّحُفُ لاَ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لأََحَدٍ , لَكِنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً يَتَدَارَسُونَهَا مَوْقُوفَةً لِذَلِكَ , فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْحَبْسُ فَقَطْ , وَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ فَلاَ يَجُوزُ تَحْبِيسُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ مَنْ لاَ يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى : أَنَّ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَازَتْ لأََنَّهُ كَانَ لاَ يُورَثُ ، وَأَنَّ صَدَقَاتِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إنَّمَا جَازَتْ لأََنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَرُدُّوهَا , وَأَنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : لَوْلاَ أَنِّي ذَكَرْتُ صَدَقَتِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهَا قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَازَتْ ; لأََنَّهُ لاَ يُورَثُ فَقَدْ كَذَبُوا ; بَلْ لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام جَعَلَهَا صَدَقَةً , فَلِذَلِكَ صَارَتْ صَدَقَةً هَكَذَا : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ هُوَ أَخُو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا , وَلاَ دِرْهَمًا , وَلاَ عَبْدًا , وَلاَ أَمَةً , إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ , وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُورَثَ فَنَعَمْ , وَهَذَا لاَ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ بِأَرْضِهِ , بَلْ تُبَاعُ فَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ : فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّمَا جَازَتْ صَدَقَاتُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ; لأََنَّ الْوَرَثَةَ أَجَازُوهَا فَقَدْ كَذَبُوا , وَلَقَدْ تَرَكَ عُمَرُ ابْنَيْهِ زَيْدًا وَأُخْتَه صَغِيرَيْنِ جِدًّا , وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَغَيْرُهُمْ , فَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ غَيْرَ جَائِزٍ لَمَا حَلَّ تَرْكُ أَنْصِبَاءِ الصِّغَارِ تَمْضِي حَبْسًا. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ عَنْ مَالِكٍ فَمُنْكَرٌ وَبَلِيَّةٌ مِنْ الْبَلاَيَا , وَكَذِبٌ بِلاَ شَكٍّ , وَلاَ نَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ ، وَلاَ هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَهَبْكَ لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ لَمَا وَجَبَ أَنْ يُتَشَاغَلَ بِهِ وَلَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِمَّنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ , كَسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ , وَضُرَبَائِهِ. وَنَحْنُ نَبُتُّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَنْدَمْ عَلَى قَبُولِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اخْتَارَهُ لَهُ فِي تَحْبِيسِ أَرْضِهِ وَتَسْبِيلِ ثَمَرَتِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : قال أبو محمد : لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ وَهَلْ يَنْدَمُ عَبْدُ اللَّهِ إِلاَّ عَلَى مَا يَحِقُّ التَّنَدُّمَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِهِ الأَمْرَ الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَشُورَةِ الأَخِيرَةِ وَهَذَا ضِدُّ مَا نَسَبُوا إلَى عُمَرَ مِمَّا وَضَعَهُ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يُسْعِدُ اللَّهَ جَدَّهُ مِنْ رَغْبَتِهِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً لاَ نَدْرِي إلَى مَاذَا فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِ هَؤُلاَءِ الْمَحْرُومِينَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا : جَائِزٌ أَنْ يُسَبِّلَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ شَاءَ , فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا. وَقَالَ لِعُمَرَ تَصَدَّقْ بِالثَّمَرَةِ فَصَحَّ بِهَذَا جَوَازُ صَدَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ , وَعَلَى مَنْ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ , وَغَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَلاَ يُبْطِلُ الْحَبْسَ تَرْكُ الْحِيَازَةِ , فَإِنْ اسْتَغَلَّهُ الْمُحْبِسُ وَلَمْ يَكُنْ سَبَّلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ , كَالْغَصْبِ , وَلاَ يَحِلُّ إِلاَّ فِيمَا أَبْقَى غِنًى وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كَلاَمِنَا فِي " الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ فَرْضٌ فِي الْحَبْسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ " فَإِنْ خَصَّ بِهِ بَعْضَ بَنِيهِ , فَالْحَبْسُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ سَائِرُ الْوَلَدِ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى مَعَ الَّذِي خَصَّهُ. برهان ذَلِكَ : أَنَّهُمَا فِعْلاَنِ مُتَغَايِرَانِ بِنَصِّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَحَدُهُمَا تَحْبِيسُ الأَصْلِ , فَبِاللَّفْظِ تَحْبِيسُهُ يَصِحُّ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّنَا عَنْ مَالِ الْمُحْبِسِ. وَالثَّانِي التَّسْبِيلُ وَالصَّدَقَةُ , فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا حِيفَ رُدَّ وَلَمْ يَبْطُلْ خُرُوجُ الأَصْلِ مُحْبِسًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَامَ الْوَلَدُ أَحْيَاءَ , فَإِذَا مَاتَ الْمَخْصُوصُ بِالْحَبْسِ رَجَعَ إلَى مَنْ عَقِبَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ , وَخَرَجَ سَائِرُ الْوَلَدِ عَنْهُ ; لأََنَّ الْمُحَابَاةَ قَدْ بَطَلَتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ حَبَسَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ , وَلَمْ يُسَبِّلْ عَلَى أَحَدٍ , فَلَهُ أَنْ يُسَبِّلَ الْغَلَّةَ مَا دَامَ حَيًّا عَلَى مَنْ شَاءَ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ فَلَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ , فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَفْعَلْ كَانَتْ الْغَلَّةُ لأََقَارِبِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ حِينَ مَوْتِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَّلَ وَحَبَسَ عَلَى مُنْقَطِعٍ فَإِذَا مَاتَ الْمُسَبَّلُ عَلَيْهِ عَادَ الْحَبْسُ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ. برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْبَرَ أَنْصَارِي الْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ : وَمَنْ حَبَسَ عَلَى عَقِبِهِ وَعَلَى عَقِبِ عَقِبِهِ , أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَعَقِبِهِ , فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْبَنَاتُ وَالْبَنُونَ , وَلاَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَنُو الْبَنَاتِ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لاَ يَخْرُجُ بِنَسَبِ آبَائِهِ إلَى الْمُحَبِّسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَأَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى : وَلَمْ يُعْطِ عُثْمَانَ , وَلاَ غَيْرَهُ وَجَدَّةُ عُثْمَانَ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي بَنِي هَاشِمٍ , إذْ لَمْ يَخْرُجْ بِنَسَبِ أَبِيهِ إلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ خَارِجًا بِنَسَبِ أُمِّهِ إلَيْهِ وَهِيَ أَرْوَى بِنْتُ الْبَيْضَاءِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَعْطَى الْعَبَّاسَ وَأُمَّهُ نُمَرِيَّةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ حَبَسَ وَشَرَطَ أَنْ يُبَاعَ إنْ اُحْتِيجَ صَحَّ الْحَبْسُ , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَبَطَلَ الشَّرْطُ ; لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , وَهُمَا فِعْلاَنِ مُتَغَايِرَانِ , إِلاَّ أَنْ يَقُولَ : لاَ أَحْبِسُ هَذَا الْحَبْسَ إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ يُبَاعَ : فَهَذَا لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا ; لأََنَّ كُلَّ حَبْسٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إِلاَّ عَلَى بَاطِلٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|